فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه، أن داود عليه السلام أمر مناديًا فنادى: الصلاة جامعة، فخرج الناس وهم يرون أنه سيكون منه يومئذ موعظة، وتأديب، ودعاء، فلما رقي مكانه قال: اللهم اغفر لنا وانصرف، فاستقبل آخر الناس أوائلهم قالوا: ما لكم! قالوا: إن النبي إنما دعا بدعوة واحدة، فاوحى الله تعالى إليه: أن أبلغ قومك عني، فإنهم قد استقلوا دعاءك. إني من أغفر له أصلح له أمر آخرته ودنياه.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبد الرحمن بن أبزي رضي الله عنه قال: كان داود عليه السلام اصبر الناس على البلاء، وأحلمهم وأكظمهم للغيظ.
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام يا رب كيف أسعى لك في الأرض بالنصيحة؟ قال: تكثر ذكري، وتحب من أحبني من أبيض وأسود، وتحكم للناس كما تحكم لنفسك، وتجتنب فراش الغيبة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبد الله الجدلي رضي الله عنه قال: كان داود عليه السلام يقول: اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني، وقلبه يرعاني. إن رأى خيرًا دفنه، وإن رأى شرًا أشاعه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كان من دعاء داود عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من الجار السوء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن بريدة رضي الله عنه، أن داود عليه السلام كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من عمل يخزيني، وهم يرديني، وفقر ينسيني، وغنى يطغيني.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام: أحبب عبادي، وحببني إلى عبادي قال: يا رب هذا أحبك، وأحب عبادك، فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال تذكرني عندهم، فإنهم لا يذكرون مني إلا الحسن.
وأخرج أحمد عن أبي الجعد رضي الله عنه قال: بلغنا أن داود عليه السلام قال: إلهي ما جزاء من عزى حزينًا لا يريد به إلا وجهك؟ قال: جزاؤه إن ألبسه لباس التقوى قال: إلهي ما جزاء من شيع جنازة لا يريد بها إلا وجهك؟ قال: جزاؤه أن تشيعه ملائكتي إذا مات، وإن أصلي على روحه في الأرواح قال: إلهي ما جزاء من أسند يتيمًا أو أرملة لا يريد بها إلا وجهك؟ قال جزاؤه إن أظله تحت ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي قال: إلهي ما جزاء من فاضت عيناه من خشيتك؟ قال: جزاؤه أن أؤمنه يوم الفزع الأكبر، وأن أقي وجهه فيح جهنم.
وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه قال: قرأت في مساءلة داود عليه السلام أنه قال: إلهي ما جزاء من يعزي الحزين المصاب ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن أكسوه رداء من أردية الإِيمان أستره به من النار، وأدخله الجنة قال: إلهي فما جزاء من شيع الجنازة ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن تشيعه الملائكة يوم يموت إلى قبره، وإن أصلي على روحه في الأرواح قال: إلهي فما جزاء من أسند اليتيم والأرملة ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن أظله في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي قال: إلهي فما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجهه؟ قال: جزاؤه إن أحرم وجهه على النار، وأن أؤمنه يوم الفزع الأكبر.
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام لسليمان: كن لليتيم كالأب الرحيم، وأعلم أنك كما تزرع تحصد، واعلم أن خطيئة أمام القوم كالمسيء عند رأس الميت، واعلم أن المرأة الصالحة لأهلها كالملك المتوّج المخوّص بالذهب، واعلم أن المرأة السوء لأهلها كالشيخ الضعيف على ظهره الحمل الثقيل، وما أقبح الفقر بعد الغنى، وأقبح من ذلك الضلالة بعد الهدى، وإن وعدت صاحبك فانجز ما وعدته، فإنك إن لا تفعل تورث بينك وبينه عداوة، ونعوذ بالله من صاحب إذا ذكرت لم يعنك، وإذا نسيت لم يذكرك.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن الحسن رضي الله عنه قال: كان داود عليه السلام يقول: اللهم لا مرض يفنيني، ولا صحة تنسيني، ولكن بين ذلك.
وأخرج عبد الله بن زيد بن رفيع قال: نظر داود عليه السلام مبخلًا يهوي بين السماء والأرض فقال: يا رب ما هذا؟ قال: هذه لعنتي، أدخلها بيت كل ظلام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبزى رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام: نعم العون اليسار على الدين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام: يا رب طال عمري، وكبر سني، وضعف ركني، فأوحى الله إليه يا داود طوبى لمن طال عمره، وحسن عمله.
وأخرج الخطيب من طريق الأوزاعي عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: أُعطي داود عليه السلام من حسن الصوت ما لم يُعْطَ أحد قط، حتى إن كان الطير والوحش حوله حتى تموت عطشًا وجوعًا، وإن الأنهار لتقف. والله أعلم.
{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض} قال: {الذين آمنوا} علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث {والمفسدين في الأرض} عتبة، وشيبة، والوليد، وهم تبارزوا يوم بدر.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات} إلى قوله: {كالفجار} قال: لعمري ما استووا، لقد تفرق القوم في الدنيا عند الموت.
أما قوله تعالى: {أم نجعل المتقين كالفجار}.
أخرج أبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «كما أنه لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا تنال الفجار منازل الأبرار».
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} أخرج سعيد بن منصور عن الحسين رضي الله عنه في قوله: {ليدبروا آياته} اتباعه بعمله.
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه {أولوا الألباب} قال: أولوا العقول من الناس. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في هوى:
الهَوَى: مَيْلُ النَّفس إِلى الشَّهْوَة.
ويُقال ذلك للنَّفْس المائلةِ إِلى الشَّهْوة، قال الله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى}.
وقال بعض العارفين:
إِنِّى بُليتُ بأَرْبَعٍ يَرْمِنَنِى ** بالنَّبْل من قَوْسٍ لها تَوْتيرُ

إِبْلِيسُ والدُّنيا ونَفْسِىَ والهَوَى ** يا رَبّ أَنتَ على الخَلاصِ قَدِيرُ

وقيل: الهَوَى: العِشْقُ، ويكون في الخَيْر والشرّ.
والهَوَى أَيضا: إِرادةُ النَّفْس.
والهَوَى: المحَبَّة، هَوِيَهُ يَهْوَاه، وهو هَوٍ، وهى هَوِيَةٌ، قال:
أَرَاك إِذا لم أَهْوَ أَمْرًا هَوِيتَهُ ** ولستَ لما أَهْوَى من الأَمرِ بالهَوى

وهو من أَهلِ الأَهواء، ذَمٌّ.
وقد عَظَّم اللهُ تعالَى ذَمَّ اتِّباعِ الهَوَى في قوله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ الههُ هَوَاهُ} وقوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} وقال بلفظ الجَمْع تَنبيهًا على أَنَّ لكل واحد هَوًى غيرَ هَوَى الآخَرِ، ثمّ هَوَى كلِّ واحد لا يَتناهَى، فإِذًا اتِّباعُ أَهوائهم نهايةُ الضلال والحَيْرَة.
وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ}.
وهَوَى الْعُقابُ هُوِيًّا: انقَضَّتْ على صَيْد أَو غيره.
وَهَوَى الشىءُ وأَهْوَى وانْهَوَى: سَقَط.
وهَوَتْ يَدى له، وأَهْوَت: ارْتَفَعَت؛ والرِّيحُ: هَبَّت؛ وفلانٌ: ماتَ.
وهَوَى يَهْوِى هَوِيًّا وهُوِيًّا وهَوَيانًا: سَقَط من عُلْو إِلى سُفْل.
وهَوَى الجَبَلَ وإِلَيْه:
صَعِدَهُ هُوِيًّا.
قال الشَّمَّاخُ:
على طَرِيقٍ كظَهْرِ الأَيْم مُطَّرِد ** يَهْوِى إِلى قُنَّةٍ في مَنْهَل عالى

وقال آخر:
يَهْوِى مَخارِمَها هُوِىَّ الأَجْدَل

والناقةُ تَهْوِى براكبها: تُسْرِع.
و{اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطينُ}: ذَهَبَتْ بِهَواهُ وعَقْلِه، وقيل: اسْتهامَتْه وحَيَّرَتْه، وقيل: زَيَّنَت له هَواهُ.
وهذه هُوّة عَمِيقة، وهُوًى.
والهاوِى: الجرادُ.
وهاوِيَةُ والهاوِيَةُ: جَهَنَّم أَعاذَنا الله منها.
وطاحَ في المَهْواة والهاوِيَة، وهى ما بين الجَبَلَيْن.
وتَهاوَوْا فيها: تَساقَطوا.
والهَوِيَّة كغَنِيّة: البَعِيدَةُ القَعْر.
وسَمعَ لأُذْنِهِ هَوِيًّا، أي دَوِيًّا.
وهاواهُ: دَاراه.
والهَواءُ بالمدّ: الجَوُّ، قيل: ومنه قولُه تعالَى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} إِذْ هي بمنزلَة الهواء في الخَلاءِ.
وأَهْواهُ: رَفَعَه في الهَواءِ وأَسْقَطَه، قال تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى}.
ويقال للجبَان: إِنَّهُ لَهَواءٌ، أي خالِى القَلْبِ من الجُرْأَة، والأَصل الجَوُّ.
وهَوَت الدَّلْوُ في البئر هَوِيًّا، بالفتح: نَزَلَتْ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{يَا داود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} {جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً} أي بعد مَنْ تَقَدَّمَكَ من الأنبياء عليهم السلام. وقيل حاكمًا من قِبَلِي لتحكمَ بين عبادي بالحقِّ، وأوصاه بألا يتبعَ في الحكم هواه تنبيهًا على أنَّ أعظمَ جنايات العبد وأقبحَ خطاياه متابعةُ الهوى.
ولما ذَكَرَ اللَّهُ هذه القصة أعقبها بقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ} {باطلًا} أي وانا مُبْطِلُ في خلقهما، وبل كان لي ما فعلْتُ وأنا فيه مُحِقٌّ.
ويقال ما خلقتهما للبطلان بل لأمرهما بالحقِّ.
ثم أخبر أنه لا يجعل المفسدين كالمحسنين قط.
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} {مُبَارَكٌ} وهو القرآن، ومبارك أي كبيرُ النّفْعِ، ويقال مباركٌ أي دائمٌ باقٍ لا ينسخه كتابٌ؛ مِنْ قولهم بَرَكَ الطيرُ علىلماء. ويقاَل مباركٌ لِمَنْ آمَنَ به وصَدَّقَ. ثم إنه بَيَّنَ أَنَّ البركةَ في تَدَبُّرِهِ والتفكُّرِ في معانيه. اهـ.

.تفسير الآيات (30- 40):

قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِداود سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الإنسان وإن أطال التدبر وأقبل بكليته على التذكر لابد له من نسيان وغفلة وذهول، ولما كان الممدوح إنما هو الرجاع «لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم» وكان الله تعالى هو الملك الذي لا شريك له والمالك الذي له الملك كله فهو يرفع من يشاء ممن لا يخطر في وهم أن يرتفع، ويخفض من يشاء ممن علا في الملك حتى لا يقع في خاطر أنه يحصل له خلل ولاسيما إن كان على أعلى خلال الطاعة ليبين لكل ذي لب أن الفاعل لذلك هو الفاعل المختار، فلا يزال خيره مرجوًا، وانتقامه مرهوبًا مخشيًا، قال تعالى: {ووهبنا} أي بما لنا من الحكمة والعظمة {لدواد سليمان} فجاء عديم النظير في ذلك الزمان دينًا ودنيًا وعلمًا وحكمة وحلمًا وعظمة ورحمة، ولذلك نبه على أمثال هذه المعاني باستئناف الإخبار عما حرك النفس إلى السؤال عنها من إسناد الهبة إلى نون العظمة فقال: {نعم العبد} ولما كان السياق لسرعة الانتباه من الغفلات، والتفضي من الهفوات، والتوبة من الزلات، وبيان أن الابتلاء ليس منحصرًا في العقوبات، بل قد يكون لرفعة الدرجات، وكان هذا بعيدًا من العادات، علل مدحه مؤكدًا له بقوله: {إنه أواب} أي رجاع إلى الازدياد من الاجتهاد في المبالغة في الشكر والصبر على الضر كلما علا من مقام بالاستغفار منه وعده مع ما له من الكمال مما يرغب عنه.
ولما كانت الخيل من أعظم ما زين للناس من حب الشهوات، وكان السياق للعزة والشقاق الدالين على عظيم الاحتياج إلى ما يكف ذلك مما أعظمه الخيل، ذكر فيها آمرًا له- صلى الله عليه وسلم، دل على أنه مع ما له من عظمة الملك كثير الأوبة عظيمها لأن من لم يكن ذلك له طبعًا لم يقدر على ما فعل فقال: {إذ} أي اذكر لتقف على شاهد ما أخبرناك به حين {عرض عليه بالعشيّ} أي فيما بعد زوال الشمس {الصافنات} أي الخيول العربية الخالصة التي لا تكاد تتمالك بجميع قوائمها الاعتماد على الأرض اختيالًا بأنفسها وقربًا من الطيران بلطافتها وهمتها وإظهارًا لقوتها ورشاقتها وخفتها، قال في القاموس: صفن الفرس يصفن صفونًا: قام على ثلاث قوائم وطرف حافز الرابعة، وقال القزاز: قام على ثلاث قوائم وقائمة يرفعها عن الأرض أو ينال سنبكها الأرض ليستريح بذلك، وأكثر ما تصفن الخيل العتاق، قال: وقالوا: كل ذي حافز يفعله ولكنه من الجياد أكثر، لا يكاد يكون إلا في العراب الخلص، وقيل: الصافن الذي يجمع يديه ويثني طرف سنبك إحدى رجليه، وقيل: الصافن الذي يرفع سنبك إحدى يديه فإذا رفع طرف سنبك إحدى رجليه فهو مخيم، وقد أخام- إذا فعل ذلك.
ولما تحرر أنه يجوز أن يجمل الصافن على غير العتيق وإن كان قليلًا، حقق أن المراد الوصف بالجودة واقفة وجارية فقال: {الجياد} أي التي تجود في جريها بأعظم ما تقدر عليه، جمع جواد، فلم تزل تعرض عليه حتى فاتته صلاة آخر النهار، وكان المفروض على من تقدمنا ركعتين أول النهار وركعتين آخره، فانتبه في الحال.